المشكاة : مكانة الأخلاق في ديننا الحنيف

تعتري مجتمعاتنا الإسلامية سلوكات تناقض تعاليم ديننا السمحة، كالكذب و النفاق و التباغض وضياع الأمانة و غيرها من التصرفات التي تعتبر شوائب شوهت صورة الإسلام والمسلمين في عيون غير المسلمين، وتدعونا إلى التساؤل اليوم هل يكفي أن يلتزم الإنسان بأداء فرائض دينه من صلاة و زكاة و صوم وحج حتى يكون مسلما قلبا وقالبا و من المبشرين بالجنة ؟

أليس حريا أن تترجم العبادات التي يؤديها المسلم في سلوكه و أخلاقه، و يراعي الله في تعاملاته مع المسلم وغير المسلم ويطبق ما جاء في كتابه الكريم و السنة على أرض الواقع، على أن تبقى ميتافيزيقا أو رويات وحكايا يرويها الأجداد للتسلية ؟

يقول الشاعر أحمد شوقي « إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ، فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا » ، إعلم أخي المسلم إنما بالأخلاق تبنى أمم و تزدهر حضارات و بذهابها تفنى وتضمحل فكثير من الأمجاد تآكلت و نخرها سوس فساد الأخلاق و اتباع الأهواء و الشهوات، و لأبرزها سقوط الأندلس و ضياعها من أيدي المسلمين. وما ضاعت ممالك الأندلس إلا عندما تفسخت أخلاقهم إذ يقول فيهم المؤرخ كوندي: « العرب هووا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها… وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات » من كتابه « مصرع غرناطة » .

فالإسلام دين الأخلاق الحميدة، التي جاءت نصوصها من الكتاب والسنة فهي وحي إلهي وهدي نبوي, وهي سمات المؤمنين الصالحين، علم يجب تعلمه، ومنهاج لابد أن نسير على طريقته، ، وهي خُلُق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال تعالى « وإنّك لعلى خلُق عظيم » القلم (4) , كما أنها سلوك المسلم الفقيه بأمور دينه, والمتيقن بزوال دنياه ومجيء أخرته, وهي الأجر العظيم من عند الله سبحانه و تعالى.
وقد جعل الله سبحانه الأخلاق الكريمة سببا للوصول إلى درجات الجنة العالية، بقوله تعالى « وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين . الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين » « آل عمران: 133-134″ .
كما أمرنا الله بمحاسن الأخلاق، فقال تعالى: « ادفع بالتي هي أحسن فإذا بالذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم » « فصلت: 34″ .
فيما حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بمكارم الأخلاق، فقال: « اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُق حَسَن » « الترمذي » .
لهذا لابد أخي الكريم أن تكون الأخلاق هي البوصلة التي يعتمد عليها المسلم في تحسس طريقه نحو الرقي و التقدم و البناء ومرضاة الله في الدنيا، و الجنة في الآخرة. كما أن مساعي النهضة بمجتمعاتنا وحضارتنا لا بد أن تمر بجسر الأخلاق ألا وهي الصدق والأمانة والمسؤولية والوسطية والاعتدال والاحترام والمحبة و الإيثار.
ومن هذا المنطلق يسرنا قراءنا الأعزاء أن نتناول جملة من الأخلاق الرفيعة التي يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، وأن يجعلها صفة تلازمه مدى الحياة في سلسلة من مقالات متتابعة، إيمنا منا بدور الإعلام في استنهاض الهمم و التحسيس بأهمية تطبيق تعاليم ديننا السمحة على أرض الواقع في سبيل إحياء أمجاد حضارتنا الإسلامية.

بقلم أميرة الدلاعي