المضاربة العقارية في تونس …إلى أين ؟

اخر تحديث : 02/03/2014
من قبل | نشرت في : الإقتصاد,تونس

مراد الحطاب

بقلم: مراد الحطاب

 

 

يعتبر تملك التونسي للمسكن قيمة اجتماعية كبرى باعتبار ضمانه لاستقلاليته وخروجه من دوامة التسوغ ومتاعبها وكذلك علامة من علامات الاندماج الاجتماعي، وانطلاقا من هذا المعطى السوسيولوجي الذي يتضافر مع عدة معطيات اقتصادية ومالية أخرى ، شهد سوق العقار ببلادنا طفرة كبرى منذ بداية التسعينات غير أن الرقم الأساسي في المعادلة وهو ملكية 80 % من التونسيين لمساكنهم يبدو لكثير من المحللين قابلا للنقاش إلى حد بعيد.
في جانب آخر ، تطرح مسألة آفاق تطور قطاع البعث العقاري والتمويل البنكي المتعلق به ، في هذا المجال ، عدة إشكاليات متراكمة منذ سنوات وتتعلق أساسا بظاهرة الازدحام السكاني بالمدن وغلاء المواد الأولية إضافة إلى نقص المدخرات العقارية وقلة وجود اليد العاملة المختصة ومستوى السيولة النقدية المتوفرة بالبلاد.

في البداية ، يجدر التذكير ان قطاع البعث العقاري في تونس وفروع النشاط الاقتصادي الدائرة في فلكه ، تساهم ب 9 % من تكوين الناتج الداخلي الخام ويشغل تقريبا 400 ألف عامل بصفة مباشرة وغير مباشرة كما تمثل استثماراته إجمالا 14 % من الاستثمارات العامة بالبلاد وهو ما يعادل تقريبا قيمته استثمارات القطاع الصناعي برمته .

يبلغ عدد الوحدات السكنية بالجمهورية التونسية ما يقارب 2,9 مليون وحدة بزيادة سنوية توافق 80 ألف وحدة جديدة ، خلال السنوات الخمس الأخيرة ، ويشكل عامل الطلب الكثيف وارتفاع الأعباء المالية التي تثقل في الآن نفسه المتدخلين في القطاع والمشترين معضلة بدأت ملامحها في البروز و التعقد منذ عشر سنوات تقريبا وذلك بالنظر لانخفاض المبيعات إذ يصل المخزون ، لا سيما في المدن الكبرى ، الى اكثر من 150 الف وحدة سكنية غير مسوقة حسب ارقام الغرفة النقابية للباعثين العقاريين الراجعة بالنظر للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية .

قراءة عامة في وضع القطاع وإشكالات نشاطه

في جانب اخر ، ورغم ما سبق بيانه تواصل الاسعار ارتفاعها بمعدل سنوي يساوي 9% تقريبا ، الامر الذي بدا في ادخال القطاع في دوامة التضخم خصوصا في ظل ارتفاع المواد الاولية المستوردة من الاسواق الدولية ، بالأساس ، وضعف المخزون من الاراضي الصالحة للاستغلال باعتبار شدة الضغط السكاني على المدن والشريط الساحلي بشكل عام اذ يتراوح ثمن المتر المربع على مستوى المسكن الجاهز بين 1200 دينار الى 3000 دينار بالمدن الكبرى ويصل ثمن المتر المربع الى 950 دينار بالعديد من المناطق الداخلية . اما على مستوى اسعار الاراضي المعدة للبناء في شكل تقسيمات فان ثمن المتر يتارحج في اقليم تونس الكبرى بين 500 و 1200 دينار ويراوح ال500 دينار في بعض المدن التي تشهد اقبالا خاصا على هذا الصعيد .

وبناءا على المعطيات سالفة الذكر ، يتضح ان الإشكال الرئيسي الذي يتسسب منذ عشريتين تقريبا في انخرام سوق العقار في تونس ودخولها مرحلة المضاربة رغم قلة الباعثين العقاريين النشيطين الذين يقدر عددهم ب600 تقريبا الى مسالة اساسية تتعلق باعتماد المستثمرين تقريبا بالكامل على تمويلات مؤسسات القرض في استثماراتهم ، من ناحية ، اضافة الى ضعف الادخار وتراجع قدرة التونسي على مجابهة دفع اقساط القروض السكنية العالية ،من ناحية اخرى .

بدأت ملامح التعثر الحاد رغم مراهنة المؤسسات المالية من مؤسسات قرض وشركات ايجار مالي وتعاونيات على مردودية القطاع وضعف المخاطرة على مستواه باعتبار توفر الرهون الكفيلة بتغطية اي عجز قد يطرأ على المعاملات منذ اواسط العشرية الاخيرة حيث صار من العادي ان ترى احياء مبنية بالكامل ومعروضة للتسويق لمدة طويلة رغم ان نسب البيع كانت في السابق تصل الى 65 % قبل انطلاق المشاريع .

مع بداية انحسار العرض حيث لا يوفر المتدخلون العموميون غير 5% من الحجم المطلوب من المساكن بمختلف انواعها وقلة تجسيم برامج الاسكان الاجتماعي خلال السنوات الاخيرة نظرا لاعتبارات تهم الكلفة ، شرع الممولون وكذلك الباعثون في انتهاج سياسة تسويقية انتقائية ترتسم ملامحها العامة في الاستثمار في السكن الراقي والذي لا طاقة للطبقة المتوسطة بالتموقع في اطاره ومن هنا قفزت الاسعار الى مستويات قياسية بزيادة سنوية تناهز في المعدل 40% مما اثر على الايجار وعلى اعداد المقاسم وجعل من ادارة السوق العقارية التونسية عملية معقدة تتشابك في سياقها المتغيرات خصوصا على المستوى المالي والاقتصادي والاجتماعي .

تصورات وحلول

من الطبيعي ان بلوغ مشكل ما مرحلة معقدة من الحدة والتقلب يفترض التفكير في حلول جذرية ، يتطلب تجسيدها ، عموما ، تمشيا على مستويين اولهما قصير المدى وثانيهما متوسط وطويل المدى .
في هذا الإطار ، يبدو ان التوجه قد صار متأكدا نحو محاصرة الازمة بإعداد مخططات لانجاز سكن معد للكراء مع امكانية التملك بعد مدة محددة للتسوغ ويكون موجها بالخصوص للشرائح الاجتماعية ذات الدخل المتوسط والمحدود مع الاجبار على الخصم من المورد لمعاليم التسوغ ومصاريف الصيانة ويمكن التعاون مع مؤسسات مالية اجنبية شقيقة وصديقة لفتح خطوط اعتماد على مستوى مؤسسات القرض التونسية على مدد تسديد طويلة وبشروط تفاضلية لتمويل انجاز المشاريع سالفة الذكر سعيا لعدم اثقال كاهل ميزانية الدولة لاسيما في جانب التنمية وإحداث البنى التجهيزية الكبرى .

وفي نفس السياق وعلى المستوى المتوسط وطويل الامد ، يتعين التفكير في تصور احداث مجمعات سكنية كبرى بالاحواز البعيدة نسبيا عن المدن وذلك استئناسا بالتجارب المصرية والفرنسية والبرازيلية على سبيل الذكر والتى اثبتت نجاعتها في التخفيض من حدة الضغط على اسواق الاسكان والعقار بالمدن الكبرى وبالأساس من اشكالات المضاربة والارتفاع المشط للأسعار في القطاع .

من الضروري ، ان يتم التفكير ، في نفس الاتجاه ، بصفة متأنية ومدروسة على مستوى التجهيز وإحداث البنى التحتية اللازمة لانجاز مثل هذا الصنف من المشاريع الكبرى ولا يمكن بأي حال من الاحوال تمويلها إلا اعتمادا على شراكات دولية ذات قيمة تلعب فيها الدبلوماسية الاقتصادية وهياكل دعم الاستثمار الاجنبي المباشر دورا كبيرا ولعل مشروع استصلاح البحيرة الشمالية بتونس العاصمة بالاشتراك مع مجمع » دلة البركة » لصاحبه الشيخ صالح الكامل يشكل نموذج نجاح يقتدى به في هذا المجال .

وفي الختام ، ان اعادة هيكلة دور المتدخلين العموميين في مجال الاسكان على غرار الشركة العقارية للبلاد التونسية وشركة تنمية المساكن الاجتماعية والوكالة العقارية للسكنى وتمكينهم من هامش تحرك اوسع لتعديل السوق وإعادة تكوين الرصيد العقاري اللازم لمجابهة الطلب الشديد يمكن ان يضمن التوازنات اللازمة بالسوق .

في جانب اخر ، يعتبر تدخل الدولة مسالة اساسية لاسيما من خلال اذرعها المالية كبنك الاسكان وصندوق الامانات والودائع الموكل لهما التصرف في مجالات إحداث مشاريع البنى التحتية الكبرى ولعل اهمها في الوقت الراهن البنية العقارية الضامنة للنشاط الاقتصادي بكافة فروع نشاطه .


Print This Post

كلمات البحث :;

اقرأ المزيد ...


نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.

Les commentaires sont fermés.