الهجرة الداخلية في تونس: المعضلة والحل

اخر تحديث : 19/01/2014
من قبل | نشرت في : الإقتصاد,تونس

مراد حطاب

بقلم : مراد الحطاب
مختص في إدارة المخاطر المالية

علي عكس ما يعتقد البعض فان ظاهرة الهجرة الداخلية والتحرك السكاني في تونس ببعديه الديمغرافي والاقتصادي لا يرجع الى فترة السبعينات بل ان جذوره الاولى تعود الى ثلاثينات القرن الماضي مع بداية تأثر تونس بالأزمة الاقتصادية العالمية انذاك . عموما تعتبر قراءة معطيات الهجرة الداخلية مسالة معقدة نظرا لتعدد المتغيرات وكثافة الاسباب والدوافع لتحرك السكان داخل فضاءات محددة مع ما ينجر عن ذلك من انماط جديدة لتشكيل الثروة وتغير العادات الاستهلاكية والانعكاسات على التوازنات الاقتصادية في بعدها الجهوي عموما .

حسب اخر احصائيات المسوحات السكانية في تونس ، اتضحت في الافق ملامح كثافة تنقل السكان بالأساس نحو اقليم تونس الكبرى والوسط الشرقي اذ انتقل عدد الوافدين من 49 الف سنة 2004 الى 81 الف سنة 2009 ليتجاوز ال100 الف في اواخر العام 2012 وهو ما يجعل نسبة ازدياد الدفق السكاني ، في هذا الاطار ، تقارب ال 4% سنويا وهي اضعف بكثير من نسب نشاهدها على مستوى بلدان في شمال افريقيا والشرق الاوسط ذات اقتصاديات و ظرفيات اجتماعية مشابهة لما تعيشه تونس .

قراءة عامة في اسباب الظاهرة

تشير معظم الدراسات الى ان الاسباب الحقيقية الكامنة وراء الهجرة الداخلية تتمثل اجمالا في البحث عن فرص العمل ومواصلة الدراسة والتقارب العائلي غير ان تحديد هذه المتغيرات قد كان دائما خاضعا للمقاربات الاحصائية المعتمدة على دراسة العينات والاقتصار في دراسة المسالة على الجانب الاقتصادي كدافع رئيسي للتحرك السكاني داخل البلاد ومع تطور المناهج التحليلية فقد بدأت تتشكل ملامح متغيرات اكثر دقة اهمها السعي للقرب من مراكز القرار والبحث عن تجاوز عقبات ضعف الادارة وهياكل الاسناد جهويا بتونس منذ عدة عقود.
من المؤكد انه على الرغم من عدم تشكيل ظاهرة الهجرة في تونس حاليا لمخاطر اجتماعية كبرى غير ان تحليل معطيات المدن المستقطبة يبرز مدى تفاقم للضغوطات العمرانية عليها فضلا عن بداية الشعور بتصحر ديموغرافي في عدد من مناطق البلاد لوحظ منذ عقدين تقريبا.

من ناحية اخرى ، ودون الخوض في اشكالات المعطيات الاقتصادية المرتبطة بالظاهرة على مستوى الطلب بالأساس وتكثف الاستثمار حول مواقع معينة وكذلك ارتفاع درجات التفاوت الجهوي والطبقي فان تضخم المدن خصوصا على المدى البعيد يجعل من رفع التحديات على مستوى التنمية البشرية امرا معقدا الى حد ما في خصوص توفير الشغل والمسكن اللائق والعدل على مستوى توزيع الثروة بين جهات البلاد رغم ان التصرف في هذه الظواهر قد يجعلها تتخذ منحى ايجابيا ولكن الاشكالات تطغي بصفة عامة في هذا الصدد .

حلول ورؤية استشرافية

نظرا لتعدد عوامل تفسير الهجرة الداخلية والاختلاف النوعي لتداعياتها فان الحل في الحد من تطورها بشكل يمكن ان يخنق المجتمع ويجعل نسب تناميها في حدود معقولة ترتبط عضويا بالديموغرافيا وظواهر اخرى عديدة يجب ان تمر حتما عبر اعادة رسم الخارطة الجهوية في تونس وذلك بمراعاة الخصوصيات الطبيعية ومستويات المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية لكل جهة وأنماط الحياة بها . بطبيعة الحال يعتبر الفرق كبيرا بين التحليل والقراءة الاستشرافية والقراءة الميدانية للنزعة نحو الهجرة الداخلية .

مهما يكن من امر وبقطع النظر عن اعادة التقسيم الجهوي بصفة جذرية فان تثبيت السكان يتطلب ادخال ديناميكية جديدة في الجهة من خلال خلق تناغم بين القطاعين العام والخاص ومحاولة تثمين المواقع في المناطق الداخلية بإحداث مناطق حرة على الحدود مع الاجوار كما ان توأمة كل جهة مع جهة اخري مقابل اجنبية يمكن ان يساعد الى حد كبير على استقدام عديد الوفود الاستثمارية والمؤمنة بالتعاون على المستوى المحلي .

على المستوى المالي ، يعتبر اليوم احداث مؤسسة كبرى للاستثمار في المخاطر موضوعا اساسيا نظرا لإمكانية تدخل هذه المؤسسة في فتح خطوط اقراض تقتصر على الفئات الضعيفة باعتبار هوامش الفوائض القارة كما يمكن ان يعتمد كذلك تطوير نسيج مؤسسات القرض الصغرى وجعل المساهمة في راس مالها خاضعة بنسبة محددة للدولة وفي نسبة اخرى للبنوك اضافة الى تقريب خدمات شركات الاستثمار ذات راس المال الثابت للمواطنين في الجهات وتمكين هذه المؤسسات من فتح فروع في مختلف مناطق الجمهورية بالتوازي مع تقوية تحرك الصناديق البنكية المشتركة لتوظيف الاموال والتى تتدخل عادة لبعث المشاريع في مناطق الاستثمار عالى المخاطرة غير ان التفكير في مزيد تاطير اصحاب الافكار في الجهات من خلال خلق ديناميكية جديدة على مستوى محاضن للمؤسسات يساهم بدرجة كبيرة في التناغم الجهوي وإثرائها بشريا واقتصاديا .

ختاما ، يتحتم دعم الجهود على كافة الاصعدة من خلال تحرك البنوك والمؤسسات المالية وصندوق الامانات والودائع الذي بعث لدعم التنمية الجهوية من خلال رصد إعتمادات يقع استرجاعها على المدى الطويل باعتبار ان مصدرها هو الادخار الوطني واستثمارات الدولة وغيرها من الإعتمادات ذات الطابع الحكومي .


Print This Post

كلمات البحث :;

اقرأ المزيد ...


نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.

Les commentaires sont fermés.