من أنـوار التنزيل (2) : سورة الفاتحة

اخر تحديث : 02/06/2014
من قبل | نشرت في : الدين,تونس

من أنـوار التنزيل

 

بقلم الشيخ بشير طبابي

بســـم اللّــه الـرّحمـان الـرّحيـم . إنّ الحمـد للّـه نحمــد وستعينـــه ونستغفـره . ونعـوذ باللّـه مـن شـرور أنفسنـا وسيّئـات أعمـالنـا . مـن يّهــــده اللّـه فـلا مضـلّ لـه . ومـن يضــلل فـلا هـادي لـه . وأشهـد أن لا إلــه إلاّ اللّـه وحـده لا شـريـك لـه .وأشهـد أنّ محمّـدا رسـول اللّـه . وأمينـه علـى وحييــه وخيــرتــه مـن خلقــه المبعـوث بالـدّيـن القـويـم أرسلـه اللّـه رحمــة للعـالميـن . وإمـامـا للمتّقيــن . وحجّــة علـى الخـلائـق أجمعيـن .
أمّـا بعــــد إخـــوة الإيمـان . فهـــذا المقال الثاني من سلسلة « مـن أنــوار التنـزيــل » سنـواصـل الحـديث عـن أنـوار التنـزيل فـي سـورة الفـاتحـة قــال بعــض السلــف مبينــا مـا لهــذه السورة مـن شــأن عظيــم عنــد اللّــه :  » أنــزل اللّــه عـز وجـل مائـــةً وأربعــة كتــب ، جمــع علمهــا فــي أربعــة وهــي : التــوراة والإنجيــل والزبــور والفرقــان ، وجمــع علــم الأربعــة فـي القــرآن ، وعلــم القـرآن فـي المفصَّــل ، وعلـــم المفصَّـــل فـي الفاتحــة ، وعلـــم الفاتحـــة فــي قولــه : « إيّــاك نعبــد وإيّــاك نستعيــن » وممّـــا يؤكـــد أهميــــة هـــذه الســورة العظيمــة مــا ثبــــت لهــا مــــن الفضائــل والخصائــص التــي صحــــت بهــا الأخبــار منهــــا أن الصــلاة لا تصـــح إلا بهــا، وأنهــا أعظـــم ســورة فــي القــرآن، ففــي البخاري مـن حديـث أبـي سعيــد بن المعلّــى قال : « كنـــت أصلـي فـي المسجـد فدعانــي رســول اللّــه – صلى الله عليه وسلم – فلـــم أجبــه ، فقلــت : يـا رســول اللــه ، إنــي كنــت أصلي ، فقــال : ألــم يقــــل اللّــه : « استجيبـــوا للّــه وللـرّسول إذا دعاكــم لما يحييكــم » « الأنفال: 24″ ، ثــم قــال لي : لأعلمنــك ســورة هـي أعظــم الســـور في القــرآن قبــل أن تخــرج مــن المسجــد ، ثــم أخـــذ بيــــدي ، فلمــا أراد أن يخــرج قلــت له : ألــم تقــل لأعلمنـــك ســـورة هــي أعظــم ســورة فــي القــرآن ؟ قال : « الحمــد للّــه رب العالميـــن » هــي السبــع المثانـــي والقــرآن العظيـــم الــذي أوتيتـــه ». وهــي أم القــرآن ، فــإن أم الشيء أصله الــذي يرجــع إليــه ، وهــذه الســورة ترجــع إليهــا معانــي القــرآن وعلومــه ، فعــن أبــي بن كعــب رضي اللّــه عنــه قــال : قــال النبـي – صلى الله عليه وسلم – : « ما أنــزل اللّــه عــز وجــل فــي التــوراة ولا فــي الإنجيــل مثــل أم القـــرآن ، وهــي السبــع المثانــي ، وهــي مقسومة بيني وبيــن عبــدي ولعبــدي ما سأل » رواه أحمد والنسائي. أمّـا تسميّــة السـورة فهـي تسمّــى بالفـاتحــة وبأمّ الكتـاب والسّبـع المثـانـي والشّـافيــة والـوافيــة والكـافيـة والأســاس والحمـــــد وقــد ذكــر العــلاّمــة القــرطبــيّ إثنـــي عشـــرا إسمـــا لهـــذه السّـــورة وإنّ كثــرة الأسمـــاء إخــــــوة الإيمــــان تـــدلّ علـــــى عظـــــم المسمّـــــى وقولــه فــي الحديــث : « قسمــــت الصـــلاة بينــي وبيــن عبــــدي » يعنــي الفاتحــة ، وسميــت صــلاة لأن الصــلاة لا تصـــح إلا بهـــا ، كقولـــه صلّـى اللّـــه عليه وسلــــم – الحــج عرفـــة ، فبيّــن الحديــث أن اللّـــه عــــز وجــل قــد قســـم هـــذه السورة العظيمـــة بينـــه  وبيـــن عبــده نصفيــن ، فهـــو سبحانـــه له نصف . الحمــد والثنــاء والتمجيــد ، والعبـــد لــه نصــف . الدعـــاء والطلــــب والمسألـــة ، فـــإن نصفهـــا الأول مـــن قولـــه سبحانـــه : « الحمـــد للّــه رب العالميــــن » إلــى قولــه: « إيـــــاك نعبــــــد » تحميـــد للـّــه تعالــــى ، وتمجيــــد لــه ، وثنـــاء عليـــه ، وتفويــــض للأمـــر إليـــه ، ونصفهـــا الثانـــي مـــن قولـــه تعالــى : « وإيـــــاك نستعيـــن » إلـــى آخـــــر الســـورة ، ســـؤال وطلـــب وتضــــرع وافتقـــار إلـــى اللّـــه ، ولهـــذا قــال سبحانـــه بعـــد قولــه « إيّــــاك نعبــــد وإيّــــاك نستعيـــن » وهـــذه بينـــي وبيــــن عبــــدي .وختمـــت الســورة بالدعــاء بأهــم ما يحتاجــه العبــد فــي دينــه ودنيـــاه ، فــإن حاجــة العبــد إلــى أن يهديــه اللّــه الصــراط المستقيــم ، أعظــم مــن حاجتــه إلــى الطّعــام والشراب والنَّفَـــس ، فهـــو مضطر إلــى مقصــود هــذا الدعــاء ، ولا نجــاة مــن العــذاب ولا وصــول إلــى السعــادة إلا بهــذه الهدايــة . فهـل رأيـت تنـاسقـا أدقّ أو ارتبـاطـا أوثـق مّمـا تــراه مـن بيـــن معـانـي هـذه الآيــة الكـريمـة تـذكّـر أخـي الكـريـم وأنـت تهيـم فـي أوديـــة هـذا الجمـال . وأدم هــذا التــدبيــر والإنعــــام أن تقــرأ فــي الصّــلاة وغيــرهـا علـى مكــــث وتمهّـــــل وخشـوع وتــذلّــل وأن تقــف علـى رؤوس الآيـــــات وتعطــي التّــلاوة حقّهــا مـن التجــويــد أو النّغمـــــات مـن غيــر تكلّــــف واشتغــال بالألفــاظ عـن المعــــانــي فإنّ ذلـك يـعيـــــن عـــن الفهــــم مـا غــاب مـن شآبيــب الــدّمـــع ومـا نفـــع القلـــــب شــيء أفضــــل مــن تـــلاوة فــي تــــدبّــــر وخشــــوع . واللّـه ورسـولـه أعلـم . أســأل اللّــــه العلـــيّ العظيـم أن يجعــل القـرآن العظيـــــم ربيــع قلــوبنـا . وجــــلاء أحــــزاننــــا وذهــاب غمــــومنــا . نسألــه تخـلّقــــه وحفظـــه والعمــل بــه والجهــاد تحــت لــوائــه. ونستــودعكــم اللّــه الّـذي لا تضيــع ودائعــه والسّـلام عليكــم ورحمــة اللّـه وبـركـاتـه.


Print This Post

كلمات البحث :;

اقرأ المزيد ...


نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.

Les commentaires sont fermés.