- - http://www.tunisien.tn -

من أنوار التنزيل (10) : سورة البقرة

سورة البقرة [1]

بقلم الشيخ بشير طبابي

الحمــد للّـه ربّ الأرض وربّ السّمـاء . خلــق آدم وعلّمــه الأسمــأء .وأسجــد لـه مـلائكتـه . وأسكنــه الجنّــة دار البقــاء . وحــذّره مـن الشيطـان ألــدّ الأعــداء . ثــمّ أنفــذ فيـه مـا سبــق بـه القضــاء . فأهبطــه إلـى دار الابتـــــلاء . وجعـل الـدنيـا لـذرّيتـه دار عمــل لا دار جــزاء . و أشهــد أن لا إلــه إلاّ اللّـه وحــده ليــس لــه أنــداد ولا أشبــاه ولا شــركــاء . خلــق السّمـاوات والأرض فـي ستّــة أيّــام و كـان عــرشــه علـى المــاء وأشهــد أنّ سيّـدنـا محمّــد خــاتــم الـرّســل والأنبيّـــاء وإمــام المجـاهـديــن والأتقيّــــاء . والشّهيـــد يــوم القيّــامــة علــى الشّهـــداء المعصــوم صلّـى اللّـه عليــه وسلّــم فمــا أخطـــأ قـــط ومــا أســـاء. اللّهـــمّ صلّ وسلّـــم وبــارك عليــه وعلــى آلـــه وصحـــابتـــه الأجــــلاّء . وعلـى السّـائــريــن علـى دربـــه والـدّاعيــن بــدعــوتــه إلـى يــوم اللّقــــاء . مـا تعـاقــب الصّبــح والمســـاء ومـا دام فــي الكــون ظلمــــة وضيــــاء .
إخــوة الإيمـان السّـلام عليكـم ورحمــة اللّـه وبـركـاتـه , نواصل في مقالنا هذا الحديث انوار التنزيل في سورة البقرة ، يقــول اللّــه تعـالـى فـي محكــم التـنـزيــل بعــد أعـوذ باللّـه مـن الشيطـان الـرّجيـم بســم اللّـه الـرّحمـان الـرّحيــم « وَإِذَا قِيــلَ لَهُــمْ لاَ تُفْسِـــدُواْ فِــي الأَرْضِ قَالُــواْ إِنَّمَــا نَحْــنُ مُصْلِحُونَ (11) ألا إِنَّهُــمْ هُــمُ الْمُفْسِـــدُونَ وَلَكِــن لاَّ يَشْعُــرُونَ (12) وَإِذَا قِيــلَ لَهُــمْ آمِنُــواْ كَمَــا آمَــنَ النَّـــاسُ قَالُــواْ أَنُؤْمِـــنُ كَمَـا آمَــنَ السُّفَهَــاء أَلا إِنَّهُــمْ هُــمُ السُّفَهَــاء وَلَكِـــن لاَّ يَعْلَمُـــونَ (13) صـدق اللّـه العظيـم.
لقــد شــرع اللّـه تعـالــى فـي بيــان قبـائحهــم وجــرائــم المنـافقيـن الشّنيعــة فقــال « وإذا قيــل لهــم لا تفســدوا فـي الأرض » أي إذا قـال لهــم بعــض المـؤمنيــن لا تسعــوا فـي الأرض بالإفســاد بـإثــارة الفتــن بالكفــر والصــدّ عـن سبيــل اللّــه .قـال « ابـن مسعــود » رضـي اللّـه عنــه : « الفســاد فـي الأرض هـو الكفــر.. والعمــل بالمعصيّــة فمــن عصـى اللّــه فقــد أفســد فـي الأرض »
قـالـوا إنّمـا نحــن مصلحــون » أي ليــس شـأننـا الإفســاد أبــدا وإنّمـا نحــن أنـاس مصلحــون . نسعــى للخيــر والصّــلاح فــلا يصــحّ مخـاطبتنـا بــذلــك . قــال « البيضــاوي » : « تصــوّروا الفسـاد بصــورة الصّــلاح لمـا فـي قلـوبهــم مـن المــرض«  يشعــرون » أي ألا فانتبهـــوا أيّهـا النّـاس إنّهــم هــم المفســدون حقّــا لا غيــرهــم لكــن لا يفطنــون ولا يحسّـــون لانطمــاس نــور الإيمــان فــي قلــوبهــم
« وإذا قيــل لهــم آمنــوا كمـا آمــن النّــاس » أي إذا قيــل للمنـافقيــن آمنــوا إيمــانـا صـادقــا لا يشــوبــه نفــاق ولا ريّــاء كمــا آمــن أصحــاب النّبــيّ عليــه الصّــلاة والسّـــلام . وأخلصــوا فــي إيمــانكــم وطـاعتكـــم للّــه .
مـاذا قـالـوا؟ « قـالــوا أنــؤمـن كمـا آمــن السّفهــــاء » الهمــزة فـي أنـؤمـن للإنكــار مـع السخـريّـة والاستهــزاء قــالـوا أنــؤمـن كـإيمــان هــؤلاء الجهلــة أمثــال « صهيـــب وعمّـــار وبــــلال نـاقــص العقـــل والتفكيـــر » قــال « البيضــوي » : « إنّمـا سفّهــوهــم لاعتقــادهــم فســـاد رأيهـــم أو لتحقيـــر شأنهــم . فإنّ أكثــر المـؤمنيــن كـانــوا فقـــراء ومنهــم مــوالـي كصهيــب وبــلال » .
« ألا إنّهــم هـــم السّفهـــاء ولكــن لا يعلمـــون » ردّ مــن اللّـه « ألا إنّهــم هــم السّفهـــاء » أي حقّــا لأنّ مـن ركــب مــركــب البـاطــل كــان سفيهــا بلا امتـــراء . لكــن لا يعلمــون بحــالهــم فـي الضّــلالــة والجهــل . وذلــك أبلــغ فـي العمــى والبعــد عـن الهــدى . وحصــر السّفـاهــة فيهــم .
فهـل رأيـت تنـاسقـا أدقّ أو ارتبـاطـا أوثـق مّمـا تــراه مـن بيـــن معـانـي هـذه الآيــة الكـريمـة تـذكّـر أخـي الكـريـم وأنـت تهيـم فـي أوديـــة هـذا الجمـال . وأدم هــذا التــدبيــر والإنعــــام أن تقــرأ فــي الصّــلاة وغيــرهـا علـى مكــــث وتمهّـــــل وخشـوع وتــذلّــل وأن تقــف علـى رؤوس الآيـــــات وتعطــي التّــلاوة حقّهــا مـن التجــويــد أو النّغمـــــات مـن غيــر تكلّــــف واشتغــال بالألفــاظ عـن المعــــانــي فإنّ ذلـك يـعيـــــن عـــن الفهــــم مـا غــاب مـن شآبيــب الــدّمـــع ومـا نفـــع القلـــــب شــيء أفضــــل مــن تـــلاوة فــي تــــدبّــــر وخشــــوع ، واللّــه ورســولــه أعلــم.
أســأل اللّــــه العلـــيّ العظيـم أن يجعــل القـرآن العظيـــــم ربيــع قلــوبنـا . وجــــلاء أحــــزاننــــا وذهــاب غمــــومنــا . نسألــه تخـلّقــــه وحفظـــه والعمــل بــه والجهــاد تحــت لــوائــه . ونستــودعكــم اللّــه الّـذي لا تضيــع ودائعــه والسّـلام عليكــم ورحمــة اللّـه وبـركـاتـه .