- - http://www.tunisien.tn -

من أنوار التنزيل (13) : سورة البقرة

سورة البقرة [1]

بقلم الشيخ بشير طبابي

بســم اللّـه الـرّحمـان الـرّحيـم إنّ الحمـد للّــه نحمــده ونستعينــــه ونستغفــره . ونعـوذ باللّـــه مـن شـرور أنفسنـا وسيّئــات أعمـالنـــا . مـن يّهـــده اللّـــه فــلا مضــلّ لـه ومــــن يضــلل فـــلا هـــادي لــه . أشهـــد أن لا إلــه إلاّ اللّــه وحــده لا شــريـك لـه . وأشهــد أنّ محمّــــدا عبــــده ورسـلــه . وأمينــه علـى وحيـيــه وخيــرتـه مـن خلقــــه . المبعــوث بالـدّيـن القـويــم والمنهــج المستقيــم أرسلـــه اللّـه تعـالـى رحمــــة للعـالميـن . وإمـامـا للمتّقيــن وحجّـــــة علـى الخــلائــق أجمعيــن .
إخــوة الإيمـــان نتابع في مقالنا هذا مـن أنـوار التنـزيـل . الحـديـث فـي أنــوار القــرآن الكـريـم فـي ســورة البقــرة ولقــد صلنـا إلـى الآيـــة السّـابعـة عشـر. يقــول اللّــه تعـالـى فـي محكــم التنــزيــل . بعــد أعــوذ باللّـه مـن الشيطـان الـرّجيــم بســم اللّـه الـرّحمـان الـرّحيــم « مثَلُهُــــمْ كَمَثَـــلِ الّــَذِي اسْتَوْقَــدَ نَـــارًا فَلَمّــــَا أَضـــَاءَتْ مـَا حَوْلَـــهُ ذَهَــبَ اللَّــــهُ بِنُورِهِــمْ وَتَرَكَهُـــمْ فِــي ظُلُمـــَاتٍ لاَّ يُبْصِــرُون ( 17 ) صُـــمٌّ بُكْـــمٌ عُمْـــيٌ فَهُـــمْ لاَ يَرْجِعـــُونَ (18) أَوْ كَصَيِّـــبٍ مِّــنَ السَّمـــَاء فِيــهِ ظُلُمَـــاتٌ وَرَعْـــدٌ وَبَـــرْقٌ يَجْعَلُـــونَ أَصَابِعَهُــمْ فِــي آذَانِهِــم مِّــنَ الصَّوَاعِـــقِ حَـــذَرَ الْمَـــوْتِ وَاللّــــَهُ مُحِيـــطٌ بِالْكَافِرِيـــن(19) «  صـدق اللّـه العظيـم.
مـازلنـا نتحـــدّث عـن المنـافقيـن . وهنـــا يضـرب اللّـه تعـالـى مثليـن يـوضّـح فيهمـا خسـارة المنـافقيـن الفـادحـة فقـال « مثلهـم كمثـل الّـذي استـوقـد نـارا » مثـالهـم فـي نفـاقهـم وحـالهـم العجيبـة كحـال شخـص أوقــد نـــارا ليستــدفــئ بهـا ويستضــيئ فمـا اتقــدت حتّـى انطفــت وتــركتــه فـي ظـلام دامـــس وخــوف شــديــد .
يقــول « فلمّــا أضــاءت مـا حــولــه ذهـب اللّـه بنـورهـم » لمّـا أنـارت المكـان الّذي حــولـه أبصــر وأمــن واستــأنــس بتلــك النّـــار المشعّــة المضيئــة « فـذهـب اللّـه بنـورهـم » أطفـأهـا اللّـه بالكلية فهــم يتخبّطــون ولا يهتــدون . قـال « ابـن كثيـر » ضـرب اللّـه للمنـافقيـن هــذا المثــل فشبّههــم فـي اشتــراء الضّلالــة بالهــدى وسيـرورتهـم بعـد البصيـرة إلـى العمـى . بمـن استـوقـد نـارا فلمّـا أضــاءت مـا حـولـه وانتفــع بهـا واستأنّـس بهـا وأبصـر مـا عـن يمينــه وشمـالـه . فبينمـا هـو كـذلـك إذ اطفئــت نـــاره . وصـار فـي ظــلام شـديـد . لا يبصـر ولا يهتــدي فكـذلـك هـؤلاء المنـافقـون . فـي استبـدالهـم الضّلالــة عـوضـا عـن الهـــدى واستحبـابهـم الغــيّ علـى الـرّشــد . وفـي هــذا المثــل . دلالـة علـى أنّهــم آمنـوا ثــمّ كفـروا . ولـذلـك ذهـب اللّـــه بنـورهـم وتـركهـم فـي ظلمـات الشــكّ والكفـر والنّفـاق لا يهتــدون إلـى سبيــل الخيــر ولا يعـرفـون طـريـق النّجـاة
« صــمّ بكــم عمــي فهــم لا يــرجعــون » صــمّ أي هــم كالصـــمّ لا يسمعــون خيــرا . بكـــم هــم كالخـرس لا يتكلمــون بمـا ينفعهــم.
« عمــي » كالعمــي لا يبصــرون الهــدى ولا يتّبعــون سبيلــه
« فهــم لا يـرجعــون » أي لا يـرجعـون عـن مـا هــم فيــه مـن الغــيّ والضّــلال . ثــمّ ثنّـى تعـالـى بتمثيــل آخــر لهــم زيــادة فـي الكشــف والإيضــاح . فقـال « أو كصيّــب مـن السّمـاء » أي مثلهــم فـي حيـرتهـم وتــردّدهــم كمثــل قــوم أصـابهــم مطــر شــديــد أظلمــت لـه الأرض .
وأرعــددت لــه السّمـاء .مصحـوب بالبــرق والـرّعــد والصّـواعـق « فيــه ظلمــات ورعــد وبــرق »  أي فـي ذلـك السّحـاب ظلمـات داجيــة . ورعــد قـاصــف وبــرق خـاطـف

« يجعلـون أصـابعهــم فـي آذانهــم مـن الصّـواعــق » أي يضعــون رؤوس الأصـابـع فـي آذانهــم لــدفـع خطـر الصّـواعـق وذلـك مـن فـرط الـدّهشـة والفـزع كأنّهــم يظنّـون أنّ ذلـك ينجيهــم.
« حــذر المــوت » خشيــت المـوت مـن تلـك الصّـواعـق المــدمّــرة
« واللّـه محيــط بالكـافـريـن » جملـة اعتراضيــة أي واللّـه تعـالـى محيــط بهــم بقــدرتــه . وهــم تحــت إرادتــه ومشيئتــه لا يفـوتـونـه .كمـا لا يفـوت مـن حـاط بـه الأعـداء مـن كـلّ جـانـب واللّـه ورسـولـه أعلـم.
وعلــى أن ألقـاكــم فـي حلقــة جــديــدة أستــودعكــم اللّـه الّـذي لا تضيــع ودائعــه والسّـلام عليكــم ورحمتــه اللّـه تعـالـى وبـركـاتــه.