وضعية السيولة النقدية في تونس

اخر تحديث : 29/12/2013
من قبل | نشرت في : الإقتصاد,تونس

مراد الحطاب

بقلم :الخبير الاقتصادي مراد الحطاب

تلاحقت الأحداث مؤخرا في تونس وتواترت قرارات السلطة النقدية في خصوص مراجعة احتساب الضمانات البنكية المتعلقة ببعض المؤسسات الاقتصادية، وذلك ضمانا لصورة صحيحة تعكسها مؤشرات الملاءة المالية إضافة الى تعدد قرارات إصدار النقد بشتى أصنافه، وإجراء عديد التعديلات الفنية على مستوى تدخل البنك المركزي في السوق النقدية بالدينار وبالعملة الاجنبية ومراجعة اجراءات الرقابة في هذا المجال. وهو ما يدعو الى إحاطة القارئ ببعض المفاهيم الموجزة التي تتعلق أساسا بمفهوم السيولة النقدية وكيفية إدارتها والمخاطر التى يمكن أن تنجر عن سوء التعامل مع مخزوناتها وتدفقاته.

مفهموم السيولة النقدية وكيفية إدارتها

تدار السيولة النقدية في تونس على غرار كافة بلدان العالم من قبل البنك المركزي التونسي، وذلك في إطار سوق تؤمن حسن سير النظام البنكي في هذا المجال وتمكن من الرقابة على الـحوالة الائتمانية في إطار المنظومة الاقتصادية والمالية بصفة عامة وفي هذا الإطار ، تجد البنوك التجارية المجال المناسب في عرض قدر معين من مواردها المالية البالغة السيولة أو الحصول عليها عند الحاجة ، كما يجد البنك المركزي في هذه السوق منفذه للتأثير على سياسة البنوك وذلك باعتماد تقنيات وسياسات مختلفة.

ومن هنا تُعرف سوق النقد على أساس أنها آلية منظمة للتعامل في الأجل القصير والمتوسط باعتماد أدوات ائتمانية، الأمر الذي يضمن تحقيق التوازن اليومي بين آجال العمليات الدائنة والمدينة، حيث تقوم البنوك بعرض فوائضها لدى هذه السوق وتحصل منه على القروض اللازمة استنادا على وضعية احتياطاتها لدى البنك المركزي كما يسمح التدخل لبعض المؤسسات المالية غير البنكية كذلك. ويتعلق إجمالا موضوع المبادلة في هذه السوق بأنواع عديدة من الأصول الرئيسية وهي تتعدد في أشكالها وأحجامها، أهمها سندات الخزينة والأوراق التجارية والمالية وغيرها من الأدوات المالية كطلبات العروض المالية وضخ النقد وسحبه عند اللزوم، وهو ما ينبثق عنه في النهاية تحديد أسعار مرجعية للفائدة إضافة إلى استخدام أدوات تتعلق بصرف العملة الأجنبية محددة طبق القانون والترتيب الجاري بها العمل.

ارتفاع حاجيات البنوك من السيولة وأسبابها

وحسب ما أبرزته معطيات آخر بيان صدر عن مجلس إدارة البنك المركزي التونسي في اجتماعه المنعقد يوم 25 ديسمبر 2013 فإن حاجيات البنوك من السيولة قد ازدادت بالمعدل اليومي ليصل الحجم العام لعمليات الضخ وإعادة التمويل الى إجمالي قيمته بالمعدل اليومي 4.793 مليون دينار، وهو أمر ناتج عن الفجوة بين ايداعات الحرفاء لدى البنوك عموما التي شهد نسق تتطورها تباطأ نسبيا في المدة الاخيرة والتمويلات الممنوحة للاقتصاد التى تعرف نموا ناهز 8,1% في موفى نوفمبر 2013. ويعود ذلك بالأساس الى تطور قروض الاستهلاك بشتى أصنافها مما انعكس على نسبة الفائدة الوسطية التى ناهزت 4,74% وهو مستوى عال يؤثر على أعباء الإقراض ويمكن أن يحد من هوامش البنوك والمؤسسات على حد سواء كما يحتمل ان ينجر عنه بعض الصعوبات على مستوى تحمل الافراد والعائلات لمديونيتهم .

تدخل البنك المركزي لحل أزمة السيولة

وانطلاقا من هذه الاشكالات سارع البنك المركزي التونسي الى اتخاذ اجراءات عاجلة يمكن ان يطلق عليها طابع الاصلاح الهيكلي للحفاظ على التوازنات المالية وضمان التمويل المناسب لمختلف الانشطة والقطاعات الاقتصادية حيث تمت مراجعة هوامش تسهيلات الايداع والقرض والتخفيض في نسبة المدخرات الالزامية للبنوك فضلا عن مراجعة قيمة الفوائد المتعلقة بالادخار والترفيع فيها واعتماد ادوات جديدة لتعديل السوق النقدية بالعملة الاجنبية وقد روعي في مجمل هذه الاجراءات الحرص على ان تبقى اسعار الفائدة دون تعديل اضافة الى العمل على مزيد توفير السيولة النقدية للبنوك دون تدخل مكثف للبنك المركزي في هذا الصدد .

عمليا ، تمثلت اثار اجراءات البنك المركزي في التمكن من هامش جديد للتحرك قصد التخفيض في عدم استقرار الهوامش على السوق النقدية وهو ما سينعكس بصفة ايجابية على الاعباء المالية التى يدفعها الحر فاء بما ستشهده من استقرار غير ان تأثير هذه العملية ليس له اي انعكاس على ايرادات البنوك التي من الممكن ان يتحسن مستوى دفقها وفي خصوص مراجعة نسبة هوامش حسابات الادخار فانه من المحتمل ان يكون للأمر تأثير ايجابي للحر فاء المودعين مما سيحسن من مستوى الادخار البنكي عموما وبالتالى زيادة زخم هذا الصنف من الودائع غير انه من المنتظر ان تتأثر الى حد ما الايرادات الصافية البنكية باعتبار احتمال الازدياد النسبي لأعباء الفوائض المدفوعة للمودعين من صنف المدخرين دون تأثيرعلى مستوى ايرادات الفوائض بحكم استقرار نسبة الفائض الوسيطة على السوق النقدية .

لا تغيير في قيمة الفوائض الموظفة للقروض

وعلى عكس ما روجته عديد وسائل الاعلام فانه لن يحدث اي تغير على الفوائض الموظفة للقروض سواء تلك الموجهة للمؤسسات او الخواص او الافراد باعتبار دقة الظرف وعدم تحمل القطاعات الاقتصادية اي اعباء مالية اضافية رغم تفاقم نسبة التضخم التي ارتفعت الى 6,1% بالنسبة للأشهر الاحدى عشر الاولى من سنة 2013 فضلا عن الضغوطات على الميزان التجاري التى ناهز مستواها الشهري 958 مليون دينار في ظل تحكم نسبي فيما يتعلق من الاحتياطي من العملة الاجنبية.

نظرة محينة حول عمليات السوق النقدية

(بحساب المليون دينار)

                                                                   

البنود

نوفمبر 2013 (معدل)

24/12/2013

تذكير 24/12/2012

طلبات عروض نقدية

3137,2

3339,0

4201,0

تسهيلات دائمة للإيداعات على اربع وعشرون ساعة

6,6-

-

118,0-

تسهيلات دائمة للاقتراض على اربع وعشرون ساعة

504,3

483,0

-

عمليات السوق المفتوحة بين البنوك

902,0

902,0

565,6

الحجم العام لإعادة التمويل

4536,9

4724,0

4648,6

المصدر :احصائيات البنك المركزي التونسي

بلادنا مطالبة بالالتزام بمعايير الحذر

رغم كل ما سبق ذكره تبقي مسالة التحكم في مخاطر السيولة عملية تتعلق بالأساس بفاعلية الجهاز البنكي على هذا المستوى ومدى قدرته على قبول المخاطر لاسيما على مستويات مترابطة تجمع السيولة بالفائدة وبالصرف وإحداث مؤشرات تيقظ مبكر في هذا المجال رغم ان معظم البنوك في تونس تفتقد الى برمجيات عصرية وهياكل وتدريب مناسب على تقييم المخاطر بصفة عامة وتلك التى سبق ذكرها بشكل خاص رغم وجود اطار تشريعي مناسب منذ سنة 2006 ومناشير عديدة في هذا السياق ويذكر ان بلادنا مطالبة اليوم في اكثر من اي وقت مضى بالالتزام بمعايير الحذر التى تنص عليها لوائح مكتب التسويات الدولية وهي المتعارف عليها بقواعد بازل .

ختاما تجدر الاشارة الى ان هوامش تحرك السلط المالية والنقدية تبقى محدودة ،في جميع الحالات ، باعتبار ان اقتصاد السوق وتحرير المعاملات المالية لا يمكن ان يتحمل تاطيرا كبيرا حتى ولو اكتسب صبغة التعديل المؤقت فالمنظومات النقدية العصرية تتطلب اليات تيقظ استراتيجي هام من قبل الفاعلين والمتدخلين المختلفين في شان المال والنقد وذلك درءا لما يمكن ان يترتب عن قلة التحوط ومراقبة المحيط من هزات قد تعرض المنظومة برمتها الى تأرجح ينعكس في الغالب على القطاعات الاقتصادية المختلفة ويمكن ان يتسسب في هشاشة الدعائم المالية لمؤسسات القرض والشركات المالية المشابهة ومن هنا فان تحسيس المسؤولين عن الجهاز المصرفي والمالي عموما بأهمية اعتماد المعايير اللازمة لحوكمة رشيدة تقى من الازمات النظمية وتعكس صورة واضحة عن تطور المؤشرات النقدية والمالية بصفة عامة يعتبر امرا هاما لبلوغ قواعد الافصاح المعتمدة دوليا والتى تضمن لبلادنا ترقيمات ملائمة وتعاملات قوية مع مختلف الاطراف الفاعلة في السوق المالية الدولية .


Print This Post

كلمات البحث :;

اقرأ المزيد ...


نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.

Les commentaires sont fermés.