الإسلام دين الأخلاق وحسن المعاملة

اخر تحديث : 17/04/2014
من قبل | نشرت في : الدين,تونس

الاخلاق

بقلم : أميرة الدلاعي

ساد الاعتقاد عند البعض في مجتمعاتنا الاسلامية أن الدين والتدين يقف عند شعائر التعبد صرف ، متجاهلين مقاصده و أحكامه و ضوابطه في الأخلاق و المعاملات ، فترى في تصرفاتهم تناقض وانحراف عن ما دعا اليه ديننا الحنيف ، حيث لا تجد له أثر في حياتهم العملية. حتى أصبح منهم من يتوهم أن الايمان مجرد شعور قلبي لا حاجة معه الى تعبد او اتخاذ منهج حياة قوامه الاسلام.
فقد غاب عن هؤلاء أن الإسلام جاء شاملا، فهو دين عقيدة وشريعة، تغلغلت تشريعاته في جميع مجالات الحياة الإنسانية، المادية والروحية والاجتماعية، في تلازم وتكامل ، فلا يستقيم منها جانب دون آخر . فالتوحيد إيمان ، والعبادات تطبيق له ، والمعاملات تفعيل لكل ذلك في شؤون الحياة والمجتمع ، تقيدا بالأوامر والنواهي الشرعية ، ليكون بذلك إيمان المسلم وعبادته ومعاملاته منظومة متكاملة ومتفاعلة يغذي بعضها بعضا.
فيتجلى الدين في علاقة المسلم بربه عندما يقبل عليه بأداء فرائضه إيمانا وتوحيدا، وسمعا وطاعة وتسليما وتعظيما لله جلى و علا . فيجعل وجوده كله لله تعبدا : « قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ » « الأنعام 162″ .
كما يتجلى في علاقة المسلم بسائر الخلق ، التزاما بتعاليم الاسلام وحدود الله تعالى ، في رعاية الحقوق وأداء الواجبات وفعل الخيرات وبذل النصح وكف الظلم والأذى : « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » « النحل 90″ ، ولقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن المعاملة والعلاقة مع الآخرين من كمال الإيمان فقال : « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ » « رواه البخاري » . وقال « إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق » « قال الحافظ ابن حجر في الفتح: رواه البزار بسند حسن » .
ويذكر أن عُمَر الْفَارُوْق طلب مِن رَجُل أَن يَأْتِيَه بِمَن يَعْرِفه حَق الْمَعْرِفَة لِيِضمنه فِي مَسْأَلَة، فَلَمَّا جَاءَه بِالْرَّجُل ابْتَدَرَه الْفَارُوْق سَائِلاً: أَنْت جَارُه الأَدْنَى؟ قَال: لا،قَال : إِذَن فَقَد رَافَقَتْه فِي سَفَر؟ قَال: لا ؟ قَال: فَلَعَلَّك عَامَلْتَه بِالْدُّرهْم وَالْدِّيْنَار؟ قَال : لا، قَال: إِذَن فَلَعَلَّك أَبْصَرْتُه فِي الْمَسْجِد يَرْفَع رَأْسَه تَارَة وَيَخْفِضُه تَارَة ؛ قَال: نَعَم، قَال:اذْهَب فَإِنَّك لا تَعْرِفُه » . هكذا جَعَل الْفَارُوْق الْمُعَامَلَة مِعْيَار الحكم على  الناس وليست المظاهر ، كما يخادع بها المنافقون « وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً » « النساء 142″ .
في المقابل يعد سوء معاملة الناس وايذائهم ا سبباً لدخول النار حتى وإن اجتهد المؤمن في العبادات، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا ،غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ : « هِيَ فِي النَّارِ » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ – القطع من الجبن- وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ » « رواه أحمد » .
بل إن ديننا الحنيف يدعونا الى حسن المعاملة والسلوك لا فقط مع الناس بل يتعدى ذلك الى علاقاتنا مع كافة الخلق، حتى مع الحيوان، فكانت الجنة جزاء امرأة بغي من بني اسرائيل رق قلبها رحمة ،فسقت كلبا أوشك على الموت عطشا ،بينما كانت النار مصير امرأة أخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها: « دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض » « رواه الشيخان » .
ولعل نبينا محمد عليه الصلاة و السلام أبرز دليل على أن الاسلام دين معاملات وأخلاق ، فما كان لدعوته أثر على الناس في مجتمع مادي تحكمه علاقات وتفاعلات ومصالح. لولا دماثة اخلاقه وحسن معاملته للناس كافة دون تمييز او تحيز : « فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر » « آل عمران:159″ ، فقد كان بعض كفار قريش يودعون أماناتهم عنده صلى الله عليه وسلم ، وهم لا يؤمنون به ، لما يعلمون من نبل أخلاقه و قد عرف بينهم بالصادق الأمين.
لذا فان المسلم الحق لا يقتصر على أداء فرائض دينه الظاهرة وحدها كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، بل لا بد أن يُترجم إيمانه في أعماله وسلوكه تجاه الخلق كافة ، وأن يميزه في جوانب حياته كلها أقوالا وأفعالا وأحوالا. وهو ما نفتقده اليوم فقد ساءت الاخلاق و و تدهورت المعاملات لتنخر مجتمعاتنا العربية  والاسلامية سلوكات دخيلة وغريبة ساهمت في التفريق بين الناس و نشر البغضاء بينهم وانعدام الثقة وضياع الامانة وغيرها من الآفات الاجتماعية التي تتطلب منا وقفة تأمل لتشخيص الداء و ايجاد الدواء.


Print This Post

كلمات البحث :;

اقرأ المزيد ...


نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.

Les commentaires sont fermés.