- - http://www.tunisien.tn -

بين هاجس التقشف وإنعاش النمو… أي اختيار؟

مراد حطاب [1]

بقلم: مراد حطاب

خبير في المخاطر المالية

 

غداة الإعلام عن تركيبة الحكومة الجديدة برئاسة السيد « مهدي جمعة » ، تعالت الأصوات لتثمين اختيار فريق ذو حرفية عالية جاء اختياره في سياق توافقات عدة توجت بالمصادقة على الدستور. غير أن أحاسيس الانتشاء لا يجب أن تخفي جسامة مهمة المسيرين الجدد وأهمية التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجههم.

ويجمع المحللون والخبراء وجل أصحاب المال والأعمال عل ضرورة ترتيب الأولويات والعوامل الضامنة لنجاح الفريق الحكومي الجديد للمرحلة القادمة، نظرا لقصرها النسبي وعدم تطابقها مع التصرف في دورة اقتصادية يحكمها منوال تنموي يمتد على ثلاث أو خمس سنوات.

من جهته أكد رئيس الحكومة الجديدة على تحلي أعضاء حكومته بالحياد وعدم الانحياز لأي طرف كان في المعادلة السياسية لتجسيم أهداف البلاد الملحة في الفترة القادمة.

وقد لوحظ أن السيد مهدي جمعة ينتهج سياسة تواصل مبنية على انتقاء الأفكار التى يسعى الى إقناع الرأي العام بها في سياق مقتضب وواضح المعالم، للاقتصار على إبراز الجانب الفني لخطط عمله التى يرى انه لا يمكن تنزيلها في إطار برنامج خشية التشتت وفقدان الفعالية المطلوبة على ما يبدو.

انطلاقا مما سبق بيانه، أشار السيد رئيس الحكومة الجديد الى انه توصل بصعوبة الى تكوين فريق منسجم وواع بمفارقات المرحلة القادمة التي تتطلب وبالأساس التوفيق بين مقتضيات التعديل النسبي وفق المعادلات المستجدة سيما على المستوى النقدي والمالي لمكافحة التضخم وتوفير التمويلات اللازمة وداخليا وخارجيا من جهة والاستجابة المتواصلة للتطلعات الاجتماعية بتحسين القدرة الشرائية وتطوير مستوى عيش المواطن عموما من جهة،  ومن جهة أخرى، معادلة يتبين ان التحكم في متغيراتها أمر غير هين .

وفيما يخص التحديات المتأكدة وباستبيان آراء العديد من رجال المال والأعمال من قبل المركز التونسي للتيقظ الاستراتيجي والذكاء الاقتصادي الراجع بالنظر للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات بتونس ، يؤكد المستجوبون انه وبقطع النظر عن المخاطر الأمنية والاجتماعية ، يتأكد اليوم إدخال تنقيحات تواكب مناهج العمل الواجب إتباعها خلال هذه المرحلة، خصوصا في ما يتعلق بقانون المالية ومجلة الاستثمار للتخفيف من الضغط الضريبي على المؤسسات التصديرية غير المقيمة التي تضمن توازنات القطاع الخارجي وتشغل 300 ألف عون وإطار تونسي في قطاعات بالغة الحساسية.

ومواصلة لنتائج الاستبيان الذي تعلق بعينة محدودة من المستثمرين نشرت ملامح نتائجه العامة في غضون الأيام الماضية ، يتضح كذلك ان الوقوف على محتويات السير الذاتية للفريق الحكومي مطمئن من جهتين أولها ، الإلمام بإدارة مراحل التغيرات والقدرة على التأقلم وثانيها تمتع العديد من الوزراء الجدد بإشعاع دولي يمكن أن يساهم في دفق الاستثمار الأجنبي وتكثيف الهبات للحد من التداين ثنائيا كان أو أحاديا أو بالخروج على السوق المالية العالمية .

ولكن الممارسة تختلف كثيرا عن التصورات الإصلاحية حتى ولو كانت على المدى القريب في بلد كتونس أرهقته البيروقراطية لعقود لانجاز ومواصلة التعديلات والمرور لتطبيقها أمر غير هين.

من هنا تطرح عديد الأسئلة : ماهو الهامش الحقيقي للمناورة المتاح للحكام الجدد؟  كيف يمكن تجاوز العجز في توازنات الميزانية والسعي لتقليصه بالتزامن مع دعم ميزان الدفوعات والقطاع الخارجي دون مزيد اللجوء إلى التداين ؟ ماهي سبل تشخيص ظواهر ارتفاع مؤشر الاستهلاك العائلي وتعديل معدل نسب الفائدة والسيولة البنكية لتمكين المؤسسات وخصوصا الصغرى منها من الحصول على التمويلات اللازمة للتداول ودعم الاستهلاك والطلب وبالتالي الإنتاج والتشغيل ؟

في خضم هذه المفرقات  يصبح جانب مزيد الاستجابة للتحديات الاجتماعية أمرا ملحا، سيما والأصوات تتعالى لتجنب الأضرار المحتملة لسياسة تقشف قد تضر بالطبقات الضعيفة والمتوسطة ، والتوجه نحو منهج جبائي يقوم على سياسة وسيطة الضامن الوحيد لنجاحها هو دعم قيمة العمل والسلم الاجتماعي لإنعاش الاقتصاد رغم تعرضه لعديد الهزات الإقليمية والدولية ، وتحميل المؤسسات المالية دورا أكبر في معاضدة جهود الشركات لاسيما الصغرى منها والمتوسطة.

في الختام ومع كل التمنيات بالتوفيق للفريق الحكومي الجديد في ظل تحديات حقبة مصيرية في تاريخ البلاد ، أجدد الدعوى إلى الابتعاد عن سياسات الخفيف الكيفي التي تقوم على مزيد إصدار رقاع الخزينة مما يمكن أن يكثف التداين الداخلي ويدخل الاقتصاد في دوامة يصعب الخروج منها وتحمل تداعياتها .