حذار من الانسياق وراء العنف الأخرق

اخر تحديث : 12/01/2014
من قبل | نشرت في : الإقتصاد,تونس

مراد حطاب

بقلم: مراد الحطاب

مختص في إدارة المخاطر المالية

                       

لقد حذر الجميع من منظمات وطنية كبرى و خبراء من احتمال احتقان الوضع الاجتماعي في صورة تطبيق جوانب من عدد منالقوانين التي تنظم المجال المالي والنقدي والاستثماري بالبلاد ، غير أنه ومع الأسف وقع المحظور وتضررت مؤسسات ومرافق حيوية بالبلاد تبعا لحدوث موجة من العنف يُخشى اليوم ازدياد توسعها في ظل عدم معرفة من يقف وراءها واحتمال ارتفاع كلفتها على دافع الضريبة و مقومات الاقتصاد الوطني عامة.

خسائر أحداث 14 جانفي بلغت 400 مليون دينارا

يجدر التذكير اأن خسائر مؤسسات التأمين غداة أحداث 14 جانفي 2011 وما تلاها من تداعيات قد بلغت 400 مليون دينار وهو ما يمثل تقريبا نصف مدخراتها الفنية وعلى هذا الأساس ، فإن ما يسجل اليوم من حرق لمقرات القباضات المالية وهجومات على الفروع البنكية ومخازن الديوانة إضافة الى سرقة بعض المحلات التجارية الكبرى يدعونا الى التساؤل عن مدى « تلقائية « ما يحدث، فضلا عن كلفة الأضرار واحتمال توسعها خصوصا في ظل التحديات المطروحة على الحكومة الجديدة التى ينبغي معاضدة جهودها لا سيما بعد تصريح رئيسها فيما يتعلق بأهدافها وضوابط عملها .

يقتضى الأمر اليوم من التونسيين بكافة أطيافهم ترشيد الشباب وتأطيره للتصدي لبعض الأطراف التى تسعي إلى استغلال شعوره بالحرمان والضيم قصد الاتيان على الأخضر واليابس، اذ تكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أن تونس مطالبة اليوم بترسيخ قواعد منظومة اقتصادية مناسبة تتخطى محنة الجباية بإيجاد حلول مقبولة فنيا وعمليا، سعيا لضمان مناخ استثماري يضمن الشغل ويحقق الحد الأدنى من إعادة الروح إلى قطاعات عدة، تراجعت الثقة في البعض منها على مستوى نوايا الاستثمار إلى أكثر من 10% وذلك على غرار القطاع الصناعي.

كما نذكر أن لتونس التزامات كبرى مع المؤسسات المالية الدولية ومؤسسات الترقيم وشركات عالمية هامة ناشطة في مجالات حيوية وبالتالى فان تعكير مناخ الحياة بالمعنى العام للكلمة، أمر سيرجع بالوبال على الجميع، خصوصا وأنه لا يمكن في جميع الحالات أن تسحب من جيوب المواطنين وأصحاب المال والعمال موارد جبائية تفوق الـ 17800 مليون دينار وهو ما يجعل من تعديل بعض فصول قانون المالية وما يشابهه من أطر تشريعية أمرا مصيريا .

ضرورة إيجاد بدائل لدعم السياسة الاقتصادية

تعتبر مقاومة الإرهاب الذي انعكس سلبا على القطاع الخارجي وعلى برامج إعداد الموسم السياحي وكذلك الاستثمار الخارجي ومكافحة ارتفاع نسق تداولات الاقتصاد الخفي مسائل جوهرية ستحد من تداعيات تعكر الوضع الاجتماعي، ومن هذا المنطلق فان ايجاد بدائل لدعم السياسة الاقتصادية على غرار تثمين المؤسسات المصادرة وحوكمة المؤسسات المالية وصندوق الودائع والأمانات وفق مبادئ القيادة الرشيدة والحد من المخاطر، أمور يمكن أن توفر مبالغ هامة لموارد الدولة ذات طابع غير جبائي قد تتجاوز 30% من الموارد العامة وهو ما سينعكس إيجابا على الضغط الجبائي ويحسن من ظروف عيش المواطن وعمل المؤسسات عموما.
هذه الإجراءات قادرة على دعم ميزانية الدولة…
في هذا السياق , يكفي أن نذكر أن توظيف معلوم على عبور الحدود التونسية وأداء على المعاملات الصرفية للبنوك إضافة إلى تشريك الأجراء في رؤوس أموال الشركات التى تمت مصادرتها يمكن أن يوفر على الأقل 1800 مليون دينار، وهو ما يفوق اتاوة النقل والمعاليم المتعلقة بالنشاط الفلاحي عشر مرات تقريبا. كما أن العمل على تقليص الاعتماد على القروض الاجنبية وجدولة البعض منها على سنتين لدى الدول الصديقة الداعمة لتونس إضافة إلى تقوية مستوى الهبات الخارجية باعتماد دبلوماسية نشطة يقلص من الاعباء المالية للحكومة ب6% تقريبا في مستواها العام وهو ما يوافق اقتصاد نفقات قد تصل الى 1214 مليون دينار.

أما على المستوى الاجتماعي , فان التركيز على الجهات بتحقيق ما رصد لهم من اعتمادات إضافة إلى الاقتصاد في نفقات التسيير الادارية سيأتي بالتأكيد أكله على مستوى التشغيل وتحسين نسق الطلب والاستهلاك، وهو ما ينعكس بالضرورة ايجابا عل تنشيط الدورة الاقتصادية ودعم موارد الدولة. كما ان هيكلة موارد الاقتراض بالاعتماد أكثر ما يمكن على التداين الداخلي لمكافحة التضخم والتخفيض في خدمة الدين مقتضيات تسمح بالحد من تدخلات الدولة والقيام بالهيكلة النقدية اللازمة للمحافظة على قيمة الدينار والحد من عجز الميزانية .
انخراط المجموعة الوطنية بما تحمله من وعي يساعد في دعم الميزانية
يعلم الجميع أن الاقتصاد والتصرف في الميزانيات المالية ليست علوما صحيحة بقدر ماهي مرتبطة بالجوانب الاجتماعية والثقافية، وانخراط المجموعة الوطنية في وعي متكامل بضرورة التكافل والتعامل مع الأزمات حين وقوعها بحكمة وروية دون تخريب ومزايدات وانسياق وراء أطراف همها التدمير وإفساد جودة الحياة للمواطن، وهو ما يقتضي اليوم من التونسيين بشتى أطيافهم وحساسياتهم الفكرية إعطاء البعد الاقتصادي والنهوض بالطبقات الضعيفة وضمان الرخاء للجميع أولوية قصوى .

الاستئناس بتجارب الدول التي تشابه تونس في هيكلتها

لقد عانت تونس طيلة عقود من التهميش وانتشار آفة المحاباة وخضوع الاقتصاد للتيارات السياسية المختلفة، اذ تعددت التجارب وكان أغلبها فيه الايجابي والسلبي مما يقتضي في المرحلة القادمة الاعتماد على مخططات تنموية تعيد رسم الأهداف المراد بلوغها وتكثيفها نحو جانب وحيد وهو تحقيق الكرامة الاقتصادية والحق في الحياة الكريمة لكل مواطن تونسي.

ومن هنا فإن الاستئناس بتجارب دول عديدة تشابه تونس في هيكلتها الاجتماعية والاقتصادية إضافة إلى الانفتاح على المحيط الاقليمي لبلادنا وتطوير عوامل التنمية البشرية المعتمدة دوليا، هي من الأمور الأساسية لحماية الطبقات الهشة والشباب بصفة خاصة من الاستقطاب الذي لا يخدم مصلحة أي كان، خاصة وان الجانب الاقتصادي قد وضع في مرتبة ثانية منذ سنوات عدة رغم انه الضامن الوحيد للتأطير ودعم شعور المواطنة والتحضر وقبول الاختلاف مع الآخر .

نختم هذا المقال بما فيه من تصورات لبدائل تنموية جديدة، بالتنويه بكل مكونات المجتمع المدني التى تسعى اليوم الى إرساء أطر حديثة في مجال التنمية البشرية ودعم طاقات بعث المشاريع والتفكير في سياقات مستجدة للارتقاء بطبقات عانت الاستبعاد من التأطير والترشيد وكلها طموح اليوم للعب دورها الطبيعي في رقي بلادنا.


Print This Post

كلمات البحث :;

اقرأ المزيد ...


نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.

Les commentaires sont fermés.