ماذا عن كلفة مخاطر تدهور البيئة في تونس ؟

اخر تحديث : 03/04/2014
من قبل | نشرت في : الإقتصاد,تونس

مراد الحطاب

 

بقلم مراد الحطاب

مختص في إدارة المخاطر المالية

أثير ملف المحيط وضرورة انقاذ البيئة في تونس ، بإلحاح منذ الفوضى التى عمت البلاد غداة أحداث 14 جانفي 2011 ، غير ان التقييم الكمي لكلفة ضمان مناخ سليم ومستدام يتطلب تحليلا شاملا واستشرافيا للمسألة يقدر الموازنات اللازمة لحماية البيئة و ديمومة مناخ ملائم لاستغلال الموارد الطبيعية في ظل تناغم مع متطلبات أجيال المستقبل .

في هذا الإطار ، تجدر الإشارة إلى أن التراجع البيئي ببلادنا يرجع إلى سنين خلت نتيجة تراكم عوامل عديدة أهمها بداية نقص الموارد الطبيعية التى استنزف مخزونها الاستراتيجي وكذلك تفاقم ظواهر التلوث التى شملت الماء والهواء والسطح الارضي و أعماقه مما أثر على المستوى الاقتصادي ، من ناحية وفي ما يتعلق بجودة حياة السكان من ناحية اخرى .

ولكن الوضعية الحالية للبيئة ببلادنا بتراكم أكثر من 1,9 مليون طن سنويا من النفايات المنزلية والصناعية والاستشفائية مع وجود 7 وحدات فقط لمعالجتها ، وذلك حسب معطيات وزارة البيئة والتنمية المستديمة، إلى جانب طرح المسألة الحارقة لملف مصب جرادو المخصص للنفايات السامة الذي يمكن ان يسمم المائدة المائية بتونس الكبرى وزغوان في ظرف خمسة عشر سنة، يجعل من حماية المحيط أحد الاولويات القصوى بالبلاد .

عديدة هي الدراسات التى تطرقت الى هذه المعضلات أهمها وأحدثها تلك التى أجراها البنك العالمي سنة 2008 والتى أوصت بالتعمق كضرورة لإكساء الجهود الدقة العلمية المطلوبة، مؤكدة أن تقدير حدة وجسامة تدهور المحيط يجب أن يمثل أحد أهم الركائز لمزيد تقييم الوضعية وإعطاء الأهمية لحماية البيئة إعتمادا على تحاليل اقتصادية بالأساس .

حصيلة الدراسات التقييمية

حاول عديد المختصين تطوير البحث ليتوصلوا إجمالا خلال السنوات الخمس الأخيرة ، إلى احتمال ارتفاع نسب الوفيات تنيجة عوامل ترتبط بجودة محيط عيش شرائح هامة من السكان تبعا للتلوث، فضلا عن التأثر النوعي للأراضي الفلاحية وتراكم الترسبات  بالسدود وانخفاض مردود قطاعات اقتصادية عديدة  كالسياحة .

 تقدر اليوم قيمة المخاطر المحدقة بالمحيط وبيئة عيش التونسيين عموما ب 2,4% من الناتج الداخلي الخام وهو ما يعادل تقريبا بالأسعار الجارية 1400 مليون دينار وذلك حسب تقديرات الهياكل المعنية في الاتحاد الاوروبي بالشأن البيئي في الحوض الجنوبي للبحر الابيض المتوسط و المجمع الدولي المتخصص « اورونات للاستشارات » سنة 2010 ولكن للمصداقية فان النسبة والرقم المفصح عنهما لا يعكسان إلا جزءا ضعيفا من حجم الاضرار التى يمكن ان تتجاوز قيمتها الحقيقية اضعافا مضاعفة قيمة المخاطر في احسن احتمالات التقييم .

ويرجع التحليل السابق الذكر الى عدم الاخذ بعين الاعتبار لعدة أسباب  التداعيات الصحية والبيئية المنجرة عن تكاثر مصبات الفضلات العشوائية وغير المعالجة وتلوث الهواء وفقدان التنوع الايكولوجي .

كما لا تقدر الدراسات التقييمية لهذا الصنف من المخاطر الضرار المتعلقة بالنسيج الغابي والإسراف في استغلال المائدة المائية السطحية وعدم معالجة المياه المستعملة وكذلك تزايد الفيضانات الطوفانية التى تشهدها مدن كبرى في تونس منذ سنة 2003 تحديدا .

وقد لوحظ ايضا منذ بداية التسعينات وحسب وزارة الصحة التونسية تفاقم امراض خبيثة لدى سكان بعض المناطق بالجمهورية اذ تناهز حالات الاصابة بالسرطان ،حسب الاحصاءات الرسمية ، خلال  الفترة 1995 – 2005 ما يقارب تسجيل 19000 حالة سنويا بالنظر للتلوث الكيميائي الشديد في جهات الجنوب التونسي بالأساس .

ابعاد المعضلة وآفاق حلولها 

من المؤكد ، انه وفي سياق عام ، ستكون لانعكاسات التغيرات المناخية التى سيتسارع نسقها حسب المختصون بداية من سنة 2020 عدة تداعيات لا سيما على المستوى الاقتصادي وهو سيلمس تأثيره خصوصا اقليميا في افق سنة 2030 في ما يتعلق باحتمالات تراجع الموارد المائية وانخفاض الانتاج الفلاحي وتقهقر موارد بعض فروع النشاط الاقتصادي وازدياد  تدهور المخزون الغابي .

 

للتنسيب ، يعتمد عموما في قياس المخاطر المتعلقة بالمحيط على فرضيات رقمية عدة تحتوى على هوامش اخطاء تقييمية من الممكن ان تؤدي الى استنتاجات مغايرة للواقع خصوصا اذا فاقت مدة التوقعات عشر سنوات .

                   

كلفة تدهور المحيط بمنطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط

( بحساب النسبة المئوية قياسا بالناتج الداخلي الخام )

تونس

2,1

لبنان

3,6

الجزائر

3,7

مصر

4,9

الاردن

2,4

سوريا

3,5

المغرب

3,7

ايران

7,2

المصدر : احصائيات البنك العالمي ، 2008

  ومهما يكن من امر ، فان تطوير الدراسات يتعين ان يقوم على حساب المؤشرات المقارنة بين التداعيات والمخاطر والكلفة وهو امر اساسي لحساب ما يمكن ان تستفيد منه المجموعة الوطنية .

يعتبر اليوم ، في بلادنا ، التحدي البيئي احد اهم الاولويات وهو ما يقتضي تركيز العمل بصفة معمقة على تعبئة الموارد الاقتصادية الملائمة لبناء منظومة بيئية متكاملة وهو ما يدعو الى تكثيف اللجوء للتعاون الاستثماري ودعم خطوط التمويل المشتركة وطويلة المدى التى تكتسي صبغة المساعدة والمنح .

في جانب اخر ، يكتسي تكثيف صناديق مقاومة التلوث التى تعتمد على موارد تتأتى من المخالفات التى يتعين ان تكتسي صبغة الصرامة والسرعة في الاستخلاص اضافة الى تكريس مبدأ تحميل الملوث التبعات المنجرة عن اضراره بالمحيط العبء المالي للإصلاح ودعم نظم استباق الكوارث البيئية امرا في غاية الاهمية على غرار ما هو معمول به في جل بلدان الاتحاد الاوروبي وأمريكا الشمالية  .

 

 

 

 


Print This Post

كلمات البحث :;

اقرأ المزيد ...


نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.

Les commentaires sont fermés.