أكد وزير المالية الأسبق محمد نزار يعيش في كلمة ألقاها خلال النسخة الثالثة عشرة من مؤتمر الطلبة والمهنيين الشباب التونسيين (TSYP 13) الذي انعقد مطلع الأسبوع الجاري بمدينة ياسمين الحمامات، أن التكنولوجيا والتمويل هما محرّكان أساسيان للنمو وخلق القيمة من منظور إنساني لذلك علينا التّثبّت من أنهما يخدمان الإنسانية حقّا لا العكس.
وأفاد الوزير، خلال المؤتمر الذي شهد، حضورا لافتا لأكثر من 1200 مشارك من طلبة ومهنيين وخبراء في مجالات التكنولوجيا والهندسة من مختلف أنحاء الجمهورية، بأن البشرية حقّقت تقدّمًا هائلًا خلال المائة سنة الأخيرة على مستوى عديد المؤشرات الأساسية منها النمو العالمي والابتكار والإنتاجية والصحة والمعرفة والوصول إلى التكنولوجيا والكهرباء والاتصال الرقمي ما أدى إلى ارتفاع حجم الإنتاج العلمي السنوي، الذي يتسارع اليوم بشكل غير مسبوق بفضل الذكاء الاصطناعي.
وأردف الوزير بأنه رغم هذا التطوّر فإن هناك مؤشرات رئيسية تتجه في الاتجاه غير السليم، على غرار التغيّر المناخي المتسارع والانبعاثات الكربونية التي بلغت مستويات غير مسبوقة، والخسارة المتزايدة في التنوع البيولوجي، فضلا عن ارتفاع قياسي في مستويات الديون، سواء العمومية أو الخاصة، على مستوى العالم، والتّفتت الجيوسياسي ومخاطر الأوبئة والأمن البيولوجي والحرب السيبرانية والمعلوماتية إضافة إلى الكلفة الإنسانية للصراعات، التي رأينا آثارها بوضوح خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة.
وأكد الوزير أننا نواجه اليوم تحديات جسيمة، أبرزها ازدواجية المعايير، التي تقوّض قيم إنسانيتنا وتُفرغها من معناها وتحدّ آخر لا يقل خطورة، وهي الشعبوية، حيث اضطرت شعوب كثيرة إلى خوض تجربة الشعبوية لتُدرك أن التحديات العالمية لا تُحل بالشعارات، وأن الحلول الحقيقية لا تكون إلا عالمية مشتركة ومسؤولة.
وأضاف الوزير بأن البشرية تواجه اليوم قائمة طويلة من المخاطر، من مخاطر مناخية ومخاطر ديمغرافية ومخاطر جيوسياسية متصاعدة وزيادة هائلة في ميزانيات التسلّح، حيث بلغ الإنفاق العالمي على النزاعات والأسلحة حوالي 2.4 تريليون دولار سنويًا، إلى جانب المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
كما قدّم الوزير لمحة عن السياسة النقدية العالمية وتأثيرها السلبي على أغلب الدول، موضحا بأن العالم شهد خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة تشديدًا واضحًا في السياسات النقدية، هدفه الأساسي حماية الاقتصادات الكبرى من التضخم، مثل الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، وهو ما كان له أثر بالغ على بقية أنحاء العالم.
وكشف الوزير عن وجود فجوة واضحة بين هذه السياسات النقدية من جهة، وبين تأثيراتها العميقة على بقية دول العالم من جهة أخرى، فعندما ترتفع أسعار الفائدة ترتفع مستويات الدَّين، وترتفع قيمة العملة مقابل العملات الأخرى، كما تشهد كلفة القروض ذات الفائدة المتغيّرة المرتبطة بتلك العملة ارتفاعا، وتتولد على ذلك سلسلة كاملة من الآثار الاقتصادية والمالية.
وأبرز الوزير بأن البشرية اليوم أحدثت آثاراً جانبية جسيمة في مجالات كثيرة في التنوع البيولوجي و في المناخ و في تراكم الديون، مؤكدا أن ذلك سيؤثر بعمق في جودة حياة الجيل القادم ومستقبله وأن المساءلة الحقيقية لا بد أن تُطبَّق على مستوى العالم، مدعومة بحوافز وطنية وتجارية تضمن الالتزام الفعلي بها.
وشدد الوزير على أننا اليوم في حاجة إلى ما نُسمّيه « صندوق الاستقرار الإنساني » بآليات تمويل واضحة ويُمكن أن يكون المقترح قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع على المدى البعيد من خلال آلية تُسمّى HIFI، أي الأدوات المالية عالية الأثر.
