مــن أنـوار التنــزيـل (7) : سورة البقرة

اخر تحديث : 16/06/2014
من قبل | نشرت في : الدين,تونس

من انوار التنزيلبقلم الشيخ بشير طبابي

الحمـد للّــه اللطيــفِ الــرؤوفِ المنــانْ، الغنــي القــويِ السلطــانْ، الحليــمِ الكريــمِ الرحيــمِ الرحمــانْ، الأولِ فــلا شـــيء قبلــه والأخرِ فلا شــيء بعـــده، والظاهرِ فلا شــيء فوقــه، والباطنِ فلا شــيء دونــه ، أرسـي الأرضَ بالجبــالِ فــي نواحيهــا وأرســلَ السحــابَ الثقــالَ بمــاءٍ يحييها ثــمَّ قضــي بالفنــاءِ علــي جميعِ ساكنيها، ليجــزيَ الذيــن أســاؤوا بما عملــوا ويجــزيَ الذيــن أحسنــوا بالحسني ، وأشهــد أن لا إلــه إلا اللّــه وحــده لا شريك له، ، لا مانــع لمـا أعطــي ولا معطــي لمـا منــع ، وأشهــد أن سيــدَنا وحبيبَنـــا وإمامنــا وقـــدوتنــا وأسوتَنــا محمـــدٌ رســولُ اللّــه عِترتُـــه خيــرُ عِتــرة، وسيِرتــه خيــرُ سيــرة، ، أرسلــه اللّــه بشيـــرا ونذيـــرا وداعيــا إليــه بإذنــه وسراجـــا منيــرا، ، فصلــواتُ اللّــه عليه وعلــي آلـــه وصحبه الغــر المياميــن ومن تبعهــم بإحســانٍ إلــي يــومِ الديــن .
إخـوة الإيمـان . فهـذا المقال مـن « أنــوار التنـزيــل » تعـالـوا بنـا لنـواصـل الطّــريـق فـي أنــوار القــرآن فـي ســورة البقــرة يقــول اللّـه تعـالـى بعـد أعـوذ باللّـه السّميـع العليـم مـن الشيطــان الـرّجيــم « الـــم (1) ذَالــكَ الْكِتــَابُ لا رَيْــبَ فِيـــهِ, هُــدًى لِلْمُتَّقِيـــنَ (2) الَّذِيـــنَ يُؤْمِنُــــونَ بِالْغَيــبِ وَيُقِيمُـــونَ الصَّــــلـوة وَمِمَّـــا رَزَقْنَاهُـــمْ يُنفِقُــــونَ (3) وَالَّذِيـــنَ يُؤْمِنُــــونَ بِمَـــا أُنْـــزِلَ إِلَيْــــكَ وَمَـا أُنْزِلَ مِــنْ قَبْلـــِكَ وَبِالآخِـــرَةِ هُـــمْ يُوقِنُــــون (4) أُوْلَـئِـــكَ عَلَـــى هُــــدًى مِـــنْ رَبِّهِـــمْ وَأُوْلَـئِــكَ هُـــمُ الْمُفْلِحُـــونَ (5) » .
ابتـــدأت السّـورة الكـريمـة بـذكــر أوصـاف المتّقيــن . وابتـــداء الســورة بالحـروف المقطّعــة « ألــــم » وتصــديــرهـا بهــذه الحـروف الهجــائيّــة يجــذب أنظــار المعـرضيــن عـن هــذا القـرآن إذ يطـرق أسمـاعهــم لأوّل وهلــة ألفـاظ غيــر مألــوفــة فـي تخـاطبهــم فينتبــه إلـى مـا يلقــى إليهــم مـن آيــات مبيّنــات وفـي هــذه الحـروف وأمثــالهـا تنبيــه علـى إعجــاز القــرآن.
فإنّ هــذا الكتــاب منظــوم مـن عيــن مـا ينظمــون منــه كــلامهــم فإذا عجــزوا علـى الإتيــان بمثلــه فــذلـك أعظــم بــرهـان علـى إعجـاز القــرآن العظيــم . .يقـول العــلاّمــة « ابـن كثيــر » رحمــة اللّــه عليــه « إنّمـا ذكــرت هــذه الحـروف فـي أوائــل السّـورة يبـانـا لإعجـاز القـرآن وإنّ الخلــق عـاجـــزون عـن معـارضتــه بمثلــه مــع أنّــه مــركّـب مـن هــذه الحـروف المقطّعــة الّتـي يتخـاطبــون بهـا وهـو قــول جمــع مـن المحقّقيــن وقــد قــرّره الـزمخـشــريّ » فـي تفسيــره الكشّـاف  »  » « ونصــره أتــمّ نصــر ثــمّ قــال « ولهــذا كــلّ ســورة افتتحـــت بالحــروف فــلا بــدّ أن يــذكــر فيهــا الإنتصــار للقــرآن وبيـان إعجـــازه وعظمتـــه.
ثــمّ قــال تعـالـى « ذلـك الكتـاب لا ريــب فيـه » أي هــذا القــرآن المنــزّل عليـك يـا محمّــد هــو الكتـاب الّذي لا يــدانيــه كتــاب « لا ريــب فيــه » أي لا شــكّ فيــه أنّــه مـن عنــد اللّــه لمــن تفكّــر وتــدبّـر أو ألقــى السّمــع وهــو شهيــد.
« هــدى للمتّقيــن » أي هــاد للمــؤمنيــن المتّقيــن . الّــذيـن يتّقــون سخــط اللّـه بامتثــال أوامــره واجتنــاب نــواهيــه ويــدفعــون عــذابــه بطـاعتــه . قـال ابـن عبّــاس رضــي اللّـه عنــه : « المتّقــون هــم الّذيــن يتّقــون الشّــرك ويعملــون بطــاعــة اللّــه » . وقــال الإمــام الحســن البصـري : « اتقــوا مـا حــرّم عليهــم وأدّوا مـا افتــرض عليهــم » .
ثــمّ بيّــن تعـالـى صفــات هـــؤلاء المتّقـيـن فقــال : « الّـذيــن يــؤمنــون بــالغيــب » ، أي يصــدّقــون مـا غـاب عنهــم ولــم تــدركـه حــواسّهــم مـن البعــث والجنّــة والنّـار والصّـراط والحســاب وغيــر ذلـك وكــلّ مـا أخبـر عنــه القـرآن أو النّبــيّ عليـه الصّـلاة والسّــلام . ويقيمــون الصّــلاة . يــؤدّونهــا علـى الـوجــه الأكمــل بشـروطهـا وأركـانهـا وخشـوعهـا وآدابهــا . قــال ابـن عبّــاس إقـامتهــا إتمــام الـرّكــوع والسّجــود والتّــلاوة والخشــوع .
« ومّمـا رزقنـاهــم ينفقــون » : أي ومـن الّـذي أعطينـاهــم مـن الأمـوال ينفقــون ويتصــدّقـون فـي وجــوه البــرّ والإحســان والآيــة عـامّـة تشمــل الـزّكــاة والصّـدقـة وسـائـر النّفقـات . وهــذا اختيّـار « ابـن جـريـر الطّبـري » قـال ابـن كثيـر « كثيـرا مـا يقـرن اللّـه تعـالـى بيـن الصّـلاة والإنفــاق مـن الأمـوال . لأنّ الصّـلاة حــقّ اللّــه وهـي مشتملــة علـى تـوحيــده وتمجيــده والثّنــاء عليــه والإنفـاق هـو الإحسـان إلـى المخلــوقــات وهــو حــقّ العبـد فكــلّ مـن النّفقـات الـواجبــة والـزّكــاة المفـروضـة داخــل فـي الآيــة الكـريمــة » .
« والّـذيـن يـؤمنـون بمـا أنــزل إليـك » أي يصـدّقـون بكــلّ مـا جئــت بـه عــن اللّـه تعـالـى. « ومـا أنــزل مـن قبلــك » المعنـى بمـا جـاءت بـه الـرّسـل مـن قبلـك لا يفـرّقـون بيـن كتـب اللّـه ولا بيــن رسلــه.
« وبالآخرة هــم يـوقنـون » يعتقـدون اعتقـادا جـازمـا لا يـلابســه شــكّ أو ارتيـاب بالــدّار الآخــرة الّتـي تتلــو الـدنيـا بمـا فيهـا مـن بعــث وجــزاء وجنّــة ونــار وحســاب وميــزان وإنّمـا سمّيــت الـدّار الآخــرة لأنّهـا بعــد الـدنيــا.
« أوليـــك علـى هــدى مـن ربّهـــم » أوليــك المتّصفـون بمـا تقــدّم مـن الصّفــات الجليلــة علـى نــور وبيــان وبصيــرة مـن اللّـه عــزّ وجــلّ.
« وأوليــك هــم المفلحــون » أي هــم الفـائـزون بالـدّرجـات العـاليــة فـي جنّـات النّعيــم واللّـه ورسـولـه أعلــم.
وعلـى أن ألقـاكــم فـي حلقــة جــديــدة أستــودعكــم اللّـه الّـذي لا تضيــع ودائعــه والسّـلام عليكــم ورحمــة اللّـه تعـالـى وبـركـاتــه.


Print This Post

كلمات البحث :;;

اقرأ المزيد ...


نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.

Les commentaires sont fermés.