« القرم »: شبه جزيرة تضع العالم على أبواب حرب عالمية ثالثة

اخر تحديث : 05/03/2014

القرم

بقلم: حكيم بن صالح

أصبحت شبه جزيرة « القرم » الاوكرانية خلال هذه الايام محل إهتمام وكالات الانباء العالمية والرأي العام الدولي منذ سيطرة القوات الروسية عليها عقب إقالة الرئيس الاوكراني « فيكتور يانوكوفيتش »، وهو ما خلف عديد ردود الافعال الدولية على رأسها الولايات المتحدة الامريكية التي اعتبرت ذلك تدخلا غير قانوني في شؤون « أوكرانيا » مهددة بتسليط عقوبات على روسيا ووقف التعاون العسكري معها وسحب عضويتها من مجموعة الثمانية، مما جعل عديد الملاحظين يتوقعون إندلاع حرب عالمية ثالثة بسبب هذا الملف.
من جانبها رفضت روسيا الاستجابة للدعوات الدولية المتكررة لمغادرة « القرم » مؤكدة انها تسعى من خلال تدخلها العسكري في شبه الجزيرة إلى حماية مواطنيها ومصالحها هناك، واستمرت في إرسال الجنود إليها حيث بلغ عدد جنودها هناك قرابة 16 ألف جندي حسب ما أكده السفير الأوكراني لدى الامم المتحدة « يوريتي سيرغيف » الذي طالب مجلس الامن بأخذ قرار صارم ضد التدخل الروسي في « القرم ».
وما زاد في سيطرة موسكو على شبه الجزيرة التي تمتلك حكما ذاتيا هو انضمام ألاف الجنود الأوكرانيين للقوات الروسية ومساعدتها في فرض سيطرتها عليها على خلفية المطالبة بإستقلالها الكلي عن « أوكرانيا ».
والجدير بالذكر أن « القرم » هي شبه جزيرة تابعة لجمهورية أوكرانيا تبلغ مساحتها 26 ألف كلم مربع وعدد سكانها قرابة المليوني نسمة، وتعني كلمة « القرم » القلعة بلغة « التتار » وقد خضعت لحكم الخلافة العثمانية ودخلها الإسلام وانتشر فيها سريعا منذ بداية القرن 16 وصارت ولاية إسلامية تابعة لها عاصمتها « بخش السرايا »، وتتمتع بموقع استراتيجي مهم وفيها ثروات طبيعية على غرار البترول والغاز والفحم والمعادن الثمينة وثروات زراعية.
نجح الروس في الاستيلاء على شبه جزيرة « القرم » ومارسوا التعذيب على مسلميها حتى أصبحوا قلة، وقد أراد « ستالين » إنشاء كيان يهودي في شبه الجزيرة عام 1928 فثار المسلمون بقيادة أئمة المساجد والمثقفين فأعدم 3500 منهم، وتناقص عدد سكانها من 9 ملايين إلى 850 ألف سنة 1941 بعد سياسة التقتيل ضد التتار المسلمين التي اتبعها الروس، وفي عام 1954 أعلن الزعيم السوفياتي « نيكيتا خروتشوف » ضم القرم إلى أوكرانيا.
في سبتمبر 2008، أتهم وزير الخارجية الأوكراني « فولوديمير اوريزكو » روسيا بمنح جوازات سفر روسية لمواطنين القرم، ووصف ذلك بالمشكلة نظرا لأن روسيا أعلنت التدخل العسكري في خارج أراضيها من أجل حمايه المواطنيين » الروس.
سنة 2009 بدأت مظاهرات مناهضة للحكومة الأوكرانية من قبل سكان القرم من أصل روسي، وقد قال آنذاك نائب رئيس البرلمان القرمي « سيرجي تسيكوف » إنه يأمل بأن تتعامل روسيا مع الأوضاع في القرم كما تعاملت في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
سنة 2010 اندلعت فوضى ونقاشات حادة في البرلمان الأوكراني بسبب مصادقة البرلمان الأوكراني على تمديد عقد الإيجار للقاعدة البحرية الروسية والمنشآت العسكرية في « سيفاستوبول » ميناء « القرم » حتى سنة 2042.
لكن لما هذا الحرص الروسي على السيطرة على شبه جزيرة « القرم » رغم التهديدات الغربية المتواصلة بتسليط عقوبات إقتصادية وسياسية خاصة بعد تعليق الولايات المتحدة وفرنسا وكندا وبريطانيا مشاركتها في الإجتماعات التحضيرية لعقد قمة مجموعة الثماني في مدينة « سوتشي » الروسية؟
الإجابة عن هذا السؤال تبرز في الاهمية الجغراسياسية لشبه جزيرة القرم خاصة وأنها تقع وسط البحر الأسود الذي تطل عليه كل من أوكرانيا وروسيا وجورجيا وتركيا وبلغاريا ورومانيا، وهي بالنسبة لروسيا مفتاح إعادة بسط نفوذها السياسي على « كييف » بعد سقوط حكم حليفها « فيكتور يانوكوفيتش » فيها، بالإضافة إلى رغبة « موسكو » في إعادة نفوذها في بلدان شرق أوروبا، الذي فقدته عقب سقوط الإتحاد السوفياتي سنة 1991.
وما يزيد من حرص الحكومة الروسية على فرض سيطرتها على « القرم » هو تخوفها من بسط الولايات المتحدة الامريكية لنفوذها في أوكرانيا خاصة بعد دعمها للتغيير السياسي الذي وقع فيها، وهو ما سيفقد موسكو لبعض من وزنها السياسي في المنطقة وخاصة بالنسبة لكييف التي ترفض حكومتها المؤقتة الحالية أي تدخل عسكري روسي فيها.
وبالنسبة للجانب الإقتصادي فإن أوكرانيا تعتبر سوقا مهما بالنسبة لروسيا خاصة في مجال المحروقات حيث تربط البلدان عديد الاتفاقيات الإقتصادية خاصة في مجال التزود بالمحروقات والأسلحة، وتصل قيمة التبادلات التجارية بين البلدين إلى اكثر من 40 مليار دولار أمريكي سنويا مع وجود اكثر من 2000 مؤسسة إقتصادية برأس مال روسي في أوكرانيا.
وقد أثارت مسألة إنضمام « كييف » لحلف شمال الاطلسي « الناتو » منذ سنوات مخاوف الروس من فقدان سيطرتهم العسكرية على المنطقة مع العلم وان أسطول البحر الأسود التابع لها يرسو في بحر القرم وتريد تأمين خروج سفنه في اتجاه البحر الأبيض المتوسط دون رقابة من الدول الغربية، خاصة وأنها عبرت عن رفضها المطلق لإقامة أية قواعد عسكرية للناتو في أوكرانيا تطبيقا لمعاهدة الصداقة والتعاون والشراكة الموقعة بين البلدين عام 1997 التي تتضمن بندا يفيد بان الجانبين يقومان ببناء علاقاتهما على مبادئ الشراكة الاستراتيجية ويمتنعان عن الاشتراك او دعم اي عمل يمكن ان يضر بأمن الجانب الاخر.
كل هذه الأسباب تجعل روسيا تتشبث بسيطرتها على شبه جزيرة « القرم » غير عابئة بالتهديدات الغربية التي يرى المحللون انها يمكن ان تساهم في بداية حرب عالمية بالرغم من المساعي الدبلوماسية التي يبذلها خاصة الإتحاد الأوروبي لإيجاد حل لهذه الازمة.


Print This Post

كلمات البحث :;;;;

اقرأ المزيد ...


نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.

Les commentaires sont fermés.